يَحدُث كلّْ خَميس

للمؤلف: د. أيمن كامل إغبارية

ماذا يحدثُ كلَّ خميس ؟ بَعضُنا يستعِدُّ لعُطلةِ الأسبوع ، يَستسلِمُ لزحّمةِ السّير ، يذهبُ للأعراس أو للأسواق ، يشتري الهدايا لمن يُحب ، ويُطيل السهر للإلفة والحُب. بَعضنا الآخر يَصوم ، يقرأ ويتهجد ، ويقومُ الّليل . بعضنا يدمعُ ويتذكر ، يزرعُ ورداً أو يسّقِيه ، يترحَمُ ويقومُ بواجب ”زيارة الخميس” لقريبٍ أو حَبيب . بَعضُنا الآخر يقفُ على الحواجزِ في طريقه لقريَته أو مدينته ، يُفتشه الجُنود ويستبيحون جَسده ، يحققون معه بمهانةٍ وعنصرية ٫ يَعتقلوه أو يَحتجزوه أو يٌأخروه . بعضنا يَغضب ويثور ويقاوم ، وبعضنا الآخر يَستسلم ويهادن ويستكين. بعضنا أطفالٌ ونساءٌ تتسولُ على مفترقات الطُرق ، بعضنا الآخر يتصدقُ أو يَتعامى. بعضنا يحيا وبعضُنا يموت . بعضنا من بعضنا. بعضنا “عطاف” وبعضنا الآخر “ربيع “. هذا بعض ما يحدث كلّ خَميس.

“يحدثُ كل خميس” مسرحيةٌ عن “عطاف” و “ربيع”. “عطاف” امرأةٌ من الداخل الفلسطيني في العقد الرابعِ من عُمرها. امرأة عَزباء ، بسيطة لا يراها أحد ، لا تنتظر شيئاً مهماً ولا شيء مهم ينتظرُها. لكنها تضجُّ بأحلامِ الحُب والولادةِ والإنعتاق. “ربيع” شاب من مناطق ١٩٦٧ في العقد الثاني من عمره . شابٌ مارَس التسّول على الإشارات الضَوئية في الماضي القريب ، جَاع وتَشرد ، أذلَته الدُنيا ودعّكته بالتجاربِ المرّة . لكنّه ما زال قادراً على الحياة بكامل إنسانيته : صادقاً-كاذباً ، خائفا-شجاعاً ، ومنعزلاً-متواصلاً. “عطاف” و “ربيع” يلتقيانِ كلّ خميسٍ عند السياج ، ليٌكملا قصةَ حبهما المَمنوع والمَبتور. تعددتِ الأسبابُ التي تقفُ ضدَّ أن يكتمل هذا الحب حالةً ووطناً:

الإحتلالُ وحضُوره جنداً ورقابةً ومَنّطقاً يقوم على الإزالةِ والمَحو ، التَجزئةُ بين ١٩٤٨ و ١٩٦٧ وتَبعاتِها المُجتمعيةِ ، فارقُ السّن والتجربةِ بين “عطاف” و “ربيع” ، ماضيهِما الشَخصي ودوافعهِما المختلفةِ ، هي كلّها أسبابٌ تقفُ بينهما كجدارِ الفصّل العُنصري حدّاً ليس بَعده إلا الموتُ أو الإنبعاثُ من جديد. لكن ، يقف بينهما أيضاً “فتحي” : الغائبُ الحَاضر والشهيدُ الحيّ.

مَن هو “فتحي” ومن قَتله؟ كيف كَبُر الحُب بين “ربيع” و “عطاف” وماذا كانت دوافِعه ؟ كيف قُوبِل هذا الحُب ؟ لماذا يلتقيان عند السِياج؟ هلّ حقا سَينتقمان ممّن قَمعوهما؟ هذه الاسئلة لن نجيب عليها هنا ، بل في المسرحية ، كي لا نُفسد مُتعة الفُرجّة والمتابعة. لكن تظلُّ أسئلة أخرى مفتوحةً . هلّ ما زلنا قادرين على الحُب والمُقاومة والخروج من خانة الضحية ؟ هل ما زَال بإمكاننا أن نَقف على حَافة بيتنا أو أرضنا أو رُوحنا لنصرخْ : كفى تهميشاً وقمعاً واحتلالاً ؟ هل سيسمعنا أحد؟
“ يحدث كل خميس” مسرحيةٌ الحدثُ الآهم فيها هو جدارٌ-سياجٌ حدودي يفصل بين مناطق ١٩٤٨ ومناطق ١٩٦٧ في فلسطين. هذاالجدار\السياج العنصري يقفُ على حَوافي هذه المناطق خالقاً بنفّسه حيزاً جديداً تلتقي فيه البداياتُ بالنهايات لتختلطَ وتتشكل عنده مِن جديد. على جَانبي الجدار يجتمعُ اليأس والأمل ويتكاتبُ شَغبُّ الرغبةِ مع رَتابةِ العجز. بهذا يصبح الجدار حاجزاً ليس فقط بين مناطق أل ٤٨ ومناطق أل ٦٧ بل أيضاً حاجزاً ضِمن العوالمِ الداخلية للشخصيات المسرحية، بين حاضِرها وماضيها، حَاجاتِها ورغباتها، وهُوياتها المتناقضة والمُشوهة. يحضُر الجدار\السياج في العمل سياقاً يَتمُّ فيه بتّرُ المكان الفلسطيني وتجزئته إلى غيتوات وأقفاص بشرية، ومحاولةً مستمرةً لهزيمة الإنسان الفلسطيني وتجريفِ وعّيه بِفلسطين وطناً واحداً ومخيلةً مشتركةً.

من قتلَّ “فتحي” ؟ لَستُم أنتم ، هذا أكيد!! لكّن ، أخشى أنكم أيضاً رأيتموه ولم تُساعدوه ، أخشى أنكم دَللّتم الجنودَ إلى مكانه من حيث لا تشعرون !!! أخشى أنه رآكم!!!

الاتاحة נגישות